السيد المسيح هو الطريق والحق والحياة |
هل تؤمن أن يسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة
هل يسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة، هل السيد المسيح هو الطريق الى الله، هل تؤمنون بأن المسيح يسوع هو كلمة الله ونعبر بواسطته الى الحياة الأبدية في الفردوس الإلهي.
في خطاب الوداع في علية صهيون بعد العشاء الأخير
(يوحنا 13: 1-17: 26)
وصف يوحنا الانجيلي رحيل سيدنا يسوع المسيح عن تلاميذه الى بيت أبيه السماوي ليُعَّد لهم ولنا مقاما كونه الطريق والحق والحياة؛ وهذا هو سر قوة المسيح والمؤمنين به، ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.
اولا: وقائع النص الانجيلي (يوحنا 14: 1-12)
1 لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً.
تشير عبارة "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم" الى تشديد يسوع عزائم تلاميذه وتشجيعهم وتعزيتهم تجاه القلق الذي أستحوذ عليهم لدى سماعهم خبر رحيله عنهم (يوحنا 16: 5-6)
وشعورهم بغياب معلمهم وإحساسهم بالألم والفراغ، وإنبائهم بوقوع الاضطهاد عليهم (مرقس 10: 30)، وبقائهم في عالم معادً لهم "كالخِرافِ بَينَ الذِّئاب".
وقد أحبوه وتعلقوا به (يوحنا 17: 7) وكانوا ينتظرون منه إظهار قدرته كما قال تلميذي عِمَّاوُس "كُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل" (لوقا 24: 21).
أمَّا عبارة "تَضْطَرِبْ" في الاصل اليوناني ταρασσέσθω (معناها يضطرب) فتشير الى انقلاب كامل وضياع تام، ويستعمل هذا الفعل للدلالة على ثوران أمواج البحر، وحركة الأمواج المضَّطربة حينما تعصف بها الرياح وتبدأ بالتلاطم شرقاً وغرباً. وينشأ الاضطراب في الانسان من الخوف من المجهول أو بسبب شدة الحزن او العزلة.
وهذا ما كان ينتاب التلاميذ، من قلق وخوف وغم وضياع؛ ويظهر ذلك من تساؤلاتهم: بطرس يتساءل "يا ربّ، إِلى أَينَ تَذهَب؟ "(يوحنا 13: 36)، وتوما "يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟ "(يوحنا 14: 5) وفيلِبُّس" يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا" (يوحنا 14: 8)، فقلوبهم مفعمة بالمخاوف والهموم والاضطراب، هذا بالإضافة ما سمعوه من أنَّ أحد التلاميذ ينكره وآخر يُسلمه وأنه سيفارقهم، بل سمعوا أنه سيموت، فإحساسهم بخيبة الامل في مملكة توقعوا قيامها وها هي أمالهم تنهار. أمَّا علاج الاضطراب هو الإيمان الذي يُجلب السلام ويهب النفس بصيرتها.
ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "قدَّم لهم السيد الحديث التالي لينزع ما في نفوسهم من اضطراب، ويفتح أمامهم أبواب الرجاء للتمتع بالسماء!". يسوع لا يقف متفرجا او مكتوف الايدي بل يتجاوب مع مشاعر التلاميذ وقلقهم ، وما من قوة أرضية تقدر أن تحل محل قوة المسيح، فلا خوف على المؤمنين؛
أمَّا عبارة " قُلوبُكم" فتشير الى مصدر الشعور والعواطف ؛ أمَّا عبارة " تُؤمِنونَ بِاللهِ " فتشير الى ثقة مبنيَّة على الله الذي يتجلى بمنح عونه للمؤمن فيتغلب على القلق، ولذلك يُمكننا القول إن الوسيلة الأولى لعلاج الاضطراب هو الإيمان بالله وبشخص يسوع المسيح ابنه المُبارك، فالاضطراب هو الداء للقلب والإيمان بالله هو الدواء ؛
أمَّا عبارة "آمِنوا بي " فتشير الى دعوة يسوع للإيمان بشخصه، بحضوره معهم وقوته ومحبته لهم إيمانا شبيها بإيمانهم بالله عزّ وجلّ، وهي دعوة الى إيمان عميق به يحمل في طيّاته الثقة والطمأنينة، إذ هو الابن المُتجسد "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنا 1: 14).
والإيمان هو أساس الاطمئنان والأمان والسلام كما قال أشعيا " إِن لم تُؤمِنوا فلَن تأمَنوا " (أشعيا 7: 9). والسلام الحقيقي هو السلام الذي ينبع من الايمان متجاوزاً كل قلق واضطراب. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على كلمات يسوع قائلا:" كأنه يقول: "يجب أن تعبر هذه الشدائد كلها، لأن الإيمان بي وبأبي السماوي هو أقوى اقتدارًا من المصائب الواردة عليكم، ولا يسمح لأي شر أن يغلبكم". قدّم السيد المسيح الإيمان به كعلاجٍ عمليٍ للمعاناة من القلق والاضطراب. وأمَّا عبارة "تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً" فتشير الى مساواته للآب واتحاده به في المقصد والعمل مما يدل على وجود "إله واحد الآب، لكنه يسوع ى يفصل نفسه عن سرّ الإله الواحد. وهو ليس بإلهٍ ثانٍ، ولا بالإله المنفرد. فهو لا يقدر أن ينفصل عنه، ولا أن يندمج فيه" كما يُعلق القديس إيلاريون أسقف پواتييه. طلب يسوع من تلاميذه ان يضعوا رجاءهم في الله وفيه أيضا حتى لا يتزعزع إيمانهم وقت الاضطهاد (متى 16:10-22). بل يليق بهم أن يؤمنوا ويتعرفوا على سرّ الحب الإلهي". فالإيمان بالمسيح هو اول تعزية ودواء لجميع اضطرابات النفس.
2 في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟
تشير عبارة "بَيتِ" في الأصل اليوناني οἰκίᾳ (معناها بيت) الى المكان الذي يقيم فيه الانسان إقامة ثابتة ، ولذلك أطلقت هذه الكلمة على الهيكل، الذي يقيم فيه الله وسط شعبه (خروج 33: 7 )؛ أمَّا عبارة " بَيتِ أَبي" فتشير الى بيت الله الذي في السماوات حيث يظهر مجده بأكثر البهاء والجلال كما ورد في كلمات موسى النبي "تَطلعَ مِن مَسكِنِ قُدْسِكَ مِنَ السَّماء" (تثنية الاشتراع 26: 15)، ووفقا لما علَّمنا المسيح في الصلاة الربانية "أَبانا الَّذي في السَّمَوات" (متى 6: 9)، وذلك دلالةً على سمو الوجود الإلهي.
وهذا تعزية لنا جميعا إذ نعلم من يسوع ان السماء بيت أبينا فهي بالتالي وطننا. أمَّا عبارة " مَنازِلُ كثيرة " فتشير الى مملكة المجد الأبدي عوضاً عن المملكة الزمنية؛ أمَّا عبارة " مَنازِلُ " في الأصل اليوناني μοναὶ (معناها المكان الذي ننزل فيه بعد مسير أو رحيل) فتشير الى سعة السماء لهم وسائر المفديين مع كل جند الملائكة حيث هناك مساكن دائمة وإقامة مستمرة وأماكن راحة نقيم فيها نهائيًا بعد الغربة على هذه الارض كما جاء في تعليم بولس الرسول "نَحنُ نَعلَمُ أَنَّه إِذا هُدِمَ بَيتُنا الأَرْضِيّ، وما هو إِلاَّ خَيمَة، فلَنا في السَّمَواتِ مَسكِنٌ مِن صُنعِ الله، بَيتٌ أَبَدِيٌّ لم تَصنَعْه الأَيْدي" (2قورنتس 1:5). وبعبارة أخرى، هنا على الأرض شدة وضيق لنا، لكن هناك في السماء مكان مجد وراحة ابدية؛ أمَّا عبارة "ولَو لم تَكُنْ" في ألأصل اليوناني εἰ δὲ μή (معناها وإلاَّ) فتشير الى لو كان انفصالنا ابديا فلا يمكن أننا نجتمع في السماء ونسكن معا في منازلها. أمَّا عبارة "أَتُراني قُلتُ لَكم" فتشير الى قول يسوع الذي ما فيه أدنى ريب. لن يترك يسوع تلاميذه يتوقعون ما لا يوجد. أمَّا عبارة "إِنِّي ذاهِبٌ" في الأصل اليوناني πορεύομαι (معناها يمضي) فتشير الى صيغة الفعل الحاضر، وهو اول من يذهب الى السماء، ويوضّح صاحب الرسالة الى العبرانيين "دَخَلَ يسوعُ مِن أَجْلِنا سابِقًا لَنا" (العبرانيين 6: 20)؛ أمَّا عبارة "لأُعِدَّ" ἑτοιμάσαι فتشير الى صيغة الفعل المستقبل حيث يَعد يسوع تلاميذ بإعداده لهم مكانا في البيت الأبوي السماوي لأنه اعتبرهم أبناء الله، فقد قال يسوع " العَبدُ لا يُقيمُ في البَيتِ دائِماً أَبَداً بلِ الابنُ يُقيمُ فيه لِلأَبَد" (يوحنا 8: 35)، وقد اعدَّ ذلك بموته على الصليب وشفاعته لنا في السماء "دَخَلَ القُدْسَ مَرَّةً واحِدَة، لا بِدَمِ التُّيوسِ والعُجول، بل بِدَمِه، فحَصَلَ على فِداءٍ أَبَدِيّ" (العبرانيين 9: 12) اما عبارة "مُقاماً" الى المقام الذي فقده الإنسان بسبب الخطيئة، والذي يُعيده يسوع مجاناً، آخذاً على عاتقه، على الصليب". ويعلق المطران بيير باتيستا "هذا المُقام هو عطية العلاقة بالآب المتاحة للجميع". ويوضّح بولس الرسول هدف هذا المُقام "لِيكونَ اللّهُ كُلَّ شَيءٍ في كُلِّ شيَء (1 قورنتس 15: 28).
3وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون
تشير عبارة "أَعددتُ لَكُم مُقاماً" الى ضمان يسوع لجميع المؤمنين إمكانية الثبات للأبد في الاتحاد بالآب "لنرى "مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ "(يوحنا 1: 14)؛ أمَّا عبارة "أَرجعُ" في الأصل اليوناني πάλιν ἔρχομαι (معناها أجيء من جديد) فتشير الى صيغة المستقبل أي المجيء الثاني للسيد المسيح. أمَّا عبارة "آخذكم إليَّ" في اليونانية παραλήμψομαι ὑμᾶς فتشير الى استقبال يسوع لتلاميذه وضمِّهم إليه ممَّا يدلُّ على فيضٍ من حبه وشوقه وانجذابه فأصبحوا من أهل بيت الله كما جاء في تعليم بولس الرسول " فلَستُم إِذاً بَعدَ اليَومِ غُرَباءَ أَو نُزَلاء، بل أَنتُم مِن أَبناءَ وَطَنِ القِدِّيسين ومِن أَهْلِ بَيتِ الله" (أفسس 2: 19)؛ يأتي يسوع الى كل مؤمن عند موته كما جاء في قول بولس الرسول "فلِي رَغبَةٌ في الرَّحيل لأَكونَ مع المسيح" (فيلبي 1: 23)، وسوف يأتي بالمجد يوم مجيئه الثاني كما يصرّح بولس الرسول " إِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ الباقين سنُخطَفُ معَهم في الغَمام، لِمُلاقاةِ المسيحِ في الجَوّ، فنَكونُ هكذا مع الرَّبِّ دائِمًا أَبَدًا" (1 تسالونيقي 4: 17). أمَّا عبارة" لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" فتشير الى تأكيد يسوع لتلاميذه إدخالهم في حالته المجيدة في آخر الأزمنة لدى عودته " فسَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه"(متى 16: 27). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "مضى يسوع وفتح الطريق، كي يُعدَّ الموضع، ويُعطي حق العبور به إلى مملكة المجد الأبدي". انه يشاطرنا حياته الإلهية، لان الناس لا يستطيعون بقواهم وحده أن ينالوا هذه الحياة كما صرّح السيد المسيح " حَيثُ أَكونُ أَنا لا تَستطيعونَ أَنتُم أَن تَأتوا " (يوحنا 7: 34). وتقتضي خدمة التلميذ ليسوع المسيح ان يشاركه في موته كي يشاركه في قيامته كما صرّح " مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي" (يوحنا 12: 26). وكما يشارك التلميذ في أتضاع يسوع في طاعته (يوحنا 13: 33) كذلك يشاركه في ارتفاعه في المجد (يوحنا 17: 24).
4 أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ إِلى حَيثُ أَنا ذاهِب.
تشير عبارة "أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ" الى تذكير يسوع تلاميذه حول تعليمه عن الطريق؛ يكفي ان يتذكروا كلامه كي يعرفوا ان الطريق هو المسيح فادي البشرية بدمه على الصليب. لكنهم لم يُدركوا معنى المسيح والدليل على ذلك أنهم سألوه بعد قيامته "يا ربّ، أَفي هذا الزَّمَنِ تُعيدُ المُلْكَ إِلى إِسرائيل؟" (أعمال الرسل 1: 6). امَّا عبارة "الطَّريقَ" فتشير الى المسيح الذي به يَمْضي الانسان إِلى الآبِ كما صرّح " أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة" (يوحنا 14: 6)؛ اما عبارة " حَيثُ أَنا ذاهِب" فتشير الى السماء بيت الله. أمَّا عبارة "أَنا ذاهِب" فتشير الى ذهاب يسوع الى الصلب والموت والقيامة والصعود للسماء ليفتح طريق الآب السماوي للإنسان. وقد فهم توما فيما بعد هذا الكلام فقال لسائر التلاميذ "فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضاً لِنَموتَ معَه" (يوحنا 11: 16).
5 قالَ له توما: يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟
تشير عبارة "توما" في الأصل اليوناني Θωμᾶςمعناه التوأم Δίδυμος (يوحنا 11: 16) الى الرسول الذي دعاه السيد المسيح ، فلبَّى الدعوة وتبعه ورافقه مع بقية التلاميذ. وعبّر عن غيرته للمسيح بقوله " فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضاً لِنَموتَ معَه!" (يوحنا 11: 16)؛ كان هذا الرسول محباً للمسيح، لكنه كان ميّالا الى الشك، قد شكَّ في قيامة المسيح "إِذا لم أُبصِرْ أَثَرَ المِسمارَينِ في يَدَيهِ، وأَضَعْ إِصبَعي في مَكانِ المِسمارَين، ويدي في جَنْبِه، لن أُومِن" (يوحنا 20: 25)؛ وبعد ذلك، تراءى يسوع القائم له ولتلاميذه على شاطئ بحير طبرية (يوحنا 20: 19-31). وقد بشَّر توما أولًا في اليهودية وقد أمضى الشطر الأكبر من حياته في الوعظ في الهند واستشهد في مليبار (مالابار)، وهي منطقة في جنوب الهند، وأصبح شفيع المسيحيين في الهند. امَّا عبارة "إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب" فتشير الى عدم فهم توما والتلاميذ قول المسيح بذهابه الى موته لان أفكارهم في شان مُلك المسيح على الأرض جعلتهم يظنون ان موت المسيح امرأ مستحيلا. أمَّا عبارة " فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟ فتشير الى السؤال الذي لا يدل على شكٍ في نفس توما بل على رغبة في الارشاد حول كيفية الوصول إلى نعيم الله.
6 قالَ له يسوع: أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي.
عبارة "أَنا" في الأصل اليوناني Ἐγώ εἰμι (معناها "انا هو") تشير الى الكيان الحي الإلهي كما عرّف الله نفسه لموسى النبي: " أَنا هو مَن هو" (خروج 3: 14) كواجب الوجود الدائم الوجود وعلة الوجود. أمَّا عبارة "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " فتشير الى تصريحات يسوع ست مرات التي تبدأ ب "أنا": " أَنا نُورُ العالَم "(يوحنا 8: 12)، "انا هو باب الخراف" (يوحنا 10: 7) " أَنا بابُ الخِراف " (يوحنا 10: 9)، "أَنا الرَّاعي الصَّالِح " (يوحنا 10: 11)، " أَنا القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25)، " أَنا الكَرمَةُ الحَقّ"(يوحنا 15: 1). ويحاول يسوع تعليم تلاميذه أسلوباً جديداً في التفكير والنظر إلى اليه لإدراك شكل حضوره. يسوع هو الطريق فقط بقدر ما يقود بتعليمه الى الحياة، بل هو الطريق المؤدي الى الآب بقدر ما هو نفسه " الحق والحياة" (يوحنا 10: 9). فالطريق ليس خارجًا عنه، والحق ليس له وجود بدونه، والحياة ليست إلاَّ فيه؛ أمَّا عبارة "أَنا الطَّريقُ" فتشير الى صورة مأخوذة من رمزية الخروج (تثنية الاشتراع 1: 30-33) وهي الطريق الطويل الشاق الذي يجب على شعب العهد القديم أن يجتازه تلبية لنداء إلهه معتمدا عليه بالإيمان لبلوغ ارض الميعاد. فقد طبّقت هذه الصورة على الشريعة التي تكشف عن التوجيهات التي يُعرضها الرب على شعبه من أجل المكافآت الأبدية (تثنية الاشتراع 32: 4). ولكن يسوع أفتتح طريقة جديدة في العهد الجديد للسير كما يريد الله لملاقاته (مرقس 8: 34)، فيسوع هو الطريق الى الآب لأنه افتتحه بموته، إنه الطريق الذي يقود الى الحق والحياة (يوحنا 10: 9)، ولا خلاص إلا باسمه كما جاء في تعليم بطرس الرسول "فلا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص" (اعمال الرسل 4: 12). ولذلك فان المسيحية الناشئة سُمّيت "الطريقة" (اعمال الرسل 9: 2)؛ أمَّا عبارة "الحَقُّ" فتشير الى يسوع نور العالم الذي يكشف للناس الطريق الذي افتتحه لهم وهم موتى بالخطيئة. فيسوع بكونه الابن المُتجسِّد صورة الآب، يكشفه لتلاميذه بتعليمه " أنَّ الكلامَ الَّذي بَلَّغَتنيه بَلَّغتُهم إِيَّاه فقَبِلوه وعَرَفوا حَقّاً أَنِّي مِن لَدُنكَ خَرَجتُ وآمنوا بِأَنكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يوحنا 17: 8)، ويُعلق القدّيس هيلاريوس أسقف بواتييه "يكشف للرّسل عن المعرفة التامّة المتعلّقة بإيماننا. فالذي هو الطريق لم يدعنا نتوه في الدروب التي لا منافذ لها. والذي هو الحقّ لم يخبرنا بغير الحقّ. والّذي هو الحياة لم يسلّمنا إلى الخطأ المُميت" (الثّالوث، 7: 33-35 ). أمَّا عبارة "الحياة" فتشير الى يسوع الذي هو مصدر الحياة المادية والحياة الروحية" فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس "(يوحنا 1: 4). فمن خلال يسوع يُدخل المؤمنين في الاتحاد بالآب، وعلى هذا الاتحاد يقوم ملء الحياة الحقيقية (يوحنا 17: 3). أمَّا عبارة "الآب" كلمة سريانية (معناها المصدر)، فتشير الى الآب (الله) في الثالوث الاقدس تمييزاً عن أي أب آخر؛ ومن يجد الآب يجد السماء التي هي بيته. أمَّا عبارة " لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي" فتشير الى يسوع الذي هو الطريق الى الآب. فعلاقة يسوع بالآب تجعل الذي يؤمن به، يؤمن بالآب، وتجعل الذي يراه، يرى الآب فيه كما صرّح يسوع “مَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني" (يوحنا 12: 45). فالطريق إلى الآب تمرّ بالابن من خلال موته وشفاعته، فانه وحده الطريق والحق والحياة. لا نستطيع دخول السماء الا به " لأَنَّ اللهَ واحِد، والوَسيطَ بَينَ اللهِ والنَّاسِ واحِد، وهو إِنْسان، أَيِ المسيحُ يسوعُ " (1 طيموتاوس 2: 5).
7 فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضاً. مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه وقَد رأَيتُموه)).
تشير عبارة "فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضاً" الى معرفة الشركة في الجوهر بين يسوع والله: من يعرف جوهره يعرف جوهر الآب أيضًا. يسوع هو الحق الذي يكشف الآب حيث ان معرفة يسوع معرفة شاملة تفترض اكتشاف وحدته مع الآب. فمعرفة الآب تكون بقدر معرفة الانسان يسوع وصفاته ومقاصده وخاصة موته وقيامته. أمَّا عبارة "مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه " فتشير الى ساعة الصليب والحدث الفصحي الذي يفتح امام التلاميذ إمكانية لقاء يسوع ومعرفته ومعرفة الآب (يوحنا 13: 31). وهذا يعني ان هذه المعرفة لا تكون في نهاية الزمن، بل تبدأ هنا في حياة يسوع البشرية، وستتجلى في الحياة الأخرى. فمن يعرف المسيح حقّاً يُدرك أنه ابن الله السماوي الذي نزل من السماء ويصعد إليها بكونه في حضن الآب " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه. (يوحنا 1: 18). فمن يبلغه يبلغ الأحضان الإلهية للآب. أمَّا عبارة " وقَد رأَيتُموه" فتشير الى رؤية المسيح الذي هو " صُورةِ الله " (فيلبي 2: 6) و" شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه" (العبرانيين 1: 3)، وافتداء المسيح أدَّى الى ارسال الروح القدس الذي يُعطينا رؤية حقيقية بها نعرف الآب والابن.
8 قالَ له فيلِبُّس: يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا
تشير عبارة "فيلِبُّس" اسم يوناني Φίλιππος (معناه مُحبٌ للخير) الى رسول يسوع الذي وُلد في بيت صيدا (يوحنا 1: 44) الواقعة في شمال بحيرة طبرية (مرقس 8: 22-26). وأحب فيلِبُّس دراسة الكتب المقدسة ولبىَّ دعوة الرب يسوع (يوحنا 1: 45)، وشجَّع نتنائيل على اتباع يسوع كما جاء في إنجيل يوحنا " لَقِيَ فيلِبُّسُ نَتَنائيل فقالَ له: ((الَّذي كَتَبَ في شأنِه موسى في الشَّرِيعَةِ وذَكَرَه الأنبِياء، وَجَدْناه، وهو يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة" (يوحنا 1: 45) وذُكر اسمه في معجزة تكثير الخبز والسمكتين (يوحنا 6: 5-7)، وجاء ذكره أيضا في أحد الشعانين (يوحنا 12: 20). وقد حمل بشرى خلاص إلى بلاد فارس وآسيا الصغرى خاصة إقليم فيرجيا، وانتهى به المطاف في مدينة هيرابولس في فريجيا (الاناضول) حيث استشهد مصلوبا بعد أن ثار عليه الوثنيون. كان فيلبس التلميذ قد عاش مع المسيح ثلاث سنين وسمعه يُعلم الجموع ويشفي المرضى ويُقيم الموتى. ولكنه لم يفهم أن الله كان قد كشف عن ذاته في المسيح الذي هو كلمة الله. لذلك قالَ ليسوع: " يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا". أمَّا عبارة "أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا" فتشير الى أعمق ما يطمح إليه الانسان (يوحنا 1: 18) وكأنه بهذه العبارة يردِّد فيلِبُّس قول موسى النبي "أَرِني مَجدَكَ" (خروج 33: 18). يطلب فيلبس منظرا لله غير المنظور، ظنا منه ان ظهوراً جسديا للاهوته من شأنه ان يقدِّم دليلا قاطعا عن وجوده. إذ رغب فيلبس بأن يكشف الله عن ذاته في وحي خاص ولكن خطأه أنه لم يرَ ذلك الوحي في المسيح يسوع، كلمة الله المتجسد. ويُعلق القديس هيلاريوس أسقف بواتييه على قول فيلِبُّس: "أَرِنا الآبَ" ليس ذلك لأنّ فيلِبُّس كان يرغب بأن يتأمّله بعينه البشريّة، لكنّه طلب أن يفهم من هو الّذي يراه أمامه... لقد كان طلبه أن يفهم أكثر ممّا أن يرى لذلك أضاف: "وحَسْبُنا". لو ظهر الله لفيلِبُّس كما أراد لأعلن له مجرَّد قوَّته، ولكنه بالمسيح ظهر كل صفات الله. لقد أراد الله أن يكشف عن ذاته في المسيح المخلص. فمن رفض الإيمان بهذه الحقيقة العظمى يكون قد حرم نفسه من أعظم هبة إلهية.
9 قال له يسوع: ((إِنِّي معَكم مُنذُ وَقتٍ طَويل، أَفلا تَعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟
تشير عبارة " إِنِّي معَكم " الى السنوات الثلاثة التي قضاها يسوع على الارض مع فيلبّس والبشرية كلها؛ أمَّا عبارة " مُنذُ وَقتٍ طَويل " فتشير الى مدة ثلاث سنين والمسيح لم يفتر في تلك المدة عن التعليم وكان فيلِبُّس من المدعوِّين الأوائل. أمَّا عبارة " أَفلا تَعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ " فتشير الى عتاب يسوع لفيلِبُّس لان يسوع رأى ان معظم تبشيره في إعلان ألاب كان عبثا إذ ان فيلِبُّس الذي هو أحد تلاميذه لم يستفد شيئا من هذا الإعلان. وأمَّا عبارة " مَن رآني رأَى الآب " فتشير الى حياة يسوع كلها والى اقواله وأعماله التي تكشف الآب السماوي، ووحدته معه. فيسوع " هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى" (قولسي 1: 15)، ورسالته تقوم على كشف حقيقة الآب من خلال ما يقوله وما يعمله وما هو عليه " أَظهَرتُ اسمَكَ لِلنَّاسِ الَّذينَ وَهَبتَهُم لي مِن بَينِ العالَم"(يوحنا 17: 6) وجاء في تعليم يوحنا " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه " (يوحنا 1: 18) وقال يسوع أيضا " أَنا والآبُ واحِد " (يوحنا 10: 30). من يرى يسوع، يرى الآب. فمن يعرف يسوع يعرف الله. فالبحث عن الله، ينتهي الى المسيح لأنه "هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة"(قولسي 1: 15). التلاميذ لم يروا جوهر الآب لأنه ليس من المرئيات، ولهذا الله لم يره أحد قط لكن المسيح أظهر صفاته وإرادته ومقاصده وقدرته ورحمته وقداسة سيرته وشفقته على المرضى ورغبته في خلاص الخطأة ومحبته للتائبين وطول أناته وحفظه للعهود لان الابن مُتحد به اتحاد لا يوصف (يوحنا 5: 17-30). اما عبارة " فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟ فتشير الى توبيخ لفيلبس بناء على جهله الآب نتيجة غفلته عن كل ما قاله يسوع وعمله كاشف صورة الآب.
10 أَلا تُؤِمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ إنَّ الكَلامَ الَّذي أَقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي بلِ الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه.
تشير عبارة "أَلا تُؤِمِنُ" الى سؤال يتوجب على فيلس ان يؤمن وان يتيقن بقول المسيح أنه " الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه" (يوحنا 1: 18). والإيمان هو الذي يُعطى الرؤية الحقيقية أن الابن والآب هما كيانٌ واحدٌ بلا انفصال كما جاء في تعليم يسوع " أَنا والآبُ واحِد"(يوحنا 10: 30)، "مَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني"(يوحنا 12: 45)؛ وهذا يدلُّ على ان رؤية الله الآب بالمسيح لا تتتم الا بعين الايمان؛ أمَّا عبارة "بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟" فتشير الى اتحاد تام بين الآب والابن. فالآب حاضر بالابن بأقواله واعماله وانهما أقنومان متميِّزان لان المسيح قال " أَنِّي في الآبِ " ولم يقل "أنا الآب" لكنهما متساويان في الجوهر. ويُعلق القديس كيرلس " ليس يسوع كمن وُجد خارجًا عنه، ولا في زمنٍ، بل في جوهر الآب مشرقًا منه، وذلك كأشعة الشمس المشرقة، وحرارة النار المتضمنة في صُلبها، شريكه الدائم في الوجود معه مع عدم الانفصال عنه، فلا يوجد الواحد دون الآخر"؛ أمَّا عبارة " إنَّ الكَلامَ الَّذي أَقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي " فتشير إلى كلام يسوع الذي هو كلام الآب الذي اوصاه بما يقول ويتكلم " لِأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتكَلَّم" (يوحنا 12: 49). ويُعلن الآب لنا بكلمات يسوع وأعماله. فانه أتى من عند الآب والآب يتكلم في ابنه كما جاء في تعليم صاحب الرسالة الى العبرانيين " كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين" (عبرانيين 1: 2). لذلك إن الذين يخضعون بلا تحفظ لمشيئة الله عندهم حسّ الله، فهم وحدهم قادرون على معرفة ما لتعليم يسوع من ميزة إلهية؛ أمَّا عبارة " المُقيمُ فِيَّ " في الأصل اليوناني ἐν ἐμοὶ μένων (معناها الحال فيَّ) فتشير الى اتحاد الاب بالابن يسوع. فلو كان المسيح نبياً فقط لقال الآب الذي ارسلني. فقوله ذلك دليل على انه الله لا انبي كسائر الأنبياء " إِنَّ أَبي ما يَزالُ يَعمَل، وأَنا أَعملُ أَيضاً" (يوحنا 5: 17)، وفي موضع آخر يقول أيضا " لا يَستَطيعُ الابنُ أَن يَفعَلَ شيئاً مِن عندِه بل لا يَفعَلُ إِلاَّ ما يَرى الآبَ يَفعَلُه. فما فَعَلَه الآب يَفعَلُه الابْنُ على مِثالِه؟ امَّا عبارة "الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه" فتشير الى أعمال المسيح التي هي اعلان إرادة الآب وإظهار محبته ومشيئته نحو الإنسان، لان المسيح هو "قُدرَةُ اللّه وحِكمَةُ اللّه"(قورنتس 1: 24)، " وبِه أَنشَأَ العالَمِين" (عبرانيين 1: 2). وكشفت الآيات عن عمل الخلاص بصورة حسّية كما حدث في معجزة الخمر في عرس قانا الجليل "هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه " (يوحنا 2: 11). فالآب يعمل مع الابن كما صرّح يسوع " إِذا كُنتُ لا أَعمَلُ أَعمالَ أَبي فَلا تُصَدِّقوني" (يوحنا 10: 37). وخلاصة هذه الآية ان الذي سمع صوت الابن سمع صوت الآب أيضا والذي رأى اعمال الابن رأى أعمال الاب كذلك.
11 صَدِّقوني: إِنِّي في الآب وإِنَّ الآبَ فيَّ وإِذا كُنتُم لا تُصَدِّقوني فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال.
تشير عبارة " صَدِّقوني " الى شهادة يسوع المسيح لنفسه امام تلاميذه، إذ سبق فقال: " إِن شهِدتُ لِنَفْسي فشَهادتي تَصِحّ" (يوحنا 8: 14)؛ أمَّا عبارة " إِنِّي في الآب وإِنَّ الآبَ فيَّ" فتشير الى تأكيد يسوع على حلول ملء اللاهوت فيه كما جاء في تعليم بولس الرسول "فِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولا جَسَدِيًّا" (قولسي 2: 9)، وهذا دليل على الوحدة بينه وبين الآب، وإنهما واحد من جهة الشرف ووحدة اللاهوت ولا يوجد بينهما اختلاف ولا انقسام. ويُعلق القديس اوغسطينوس "الآب هو الله الذي ليس من الله، والنور الذي ليس من نور، بينما الابن هو إله من إله، نور من نور"؛ لكل أقنوم عمله، فالآب يريد، والابن ينفذ هذه الإرادة ويُعلنها؛ أمَّا عبارة " فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال " فتشير الى شهادة عمال يسوع المسيح خاصة المعجزات حيث لا أحد يقدر ان يفعل مثل هذه الأفعال ما لم يكن الله معه كما سبق وقال لليهود " لا يَستَطيعُ الابنُ أَن يَفعَلَ شيئاً مِن عندِه بل لا يَفعَلُ إِلاَّ ما يَرى الآبَ يَفعَلُه. فما فَعَلَه الآب يَفعَلُه الابْنُ على مِثالِه " (يوحنا 5: 19). ومن خلال صفاته أعلن المسيح لا سيما بتواضعه ومحبته صفات الآب، ومن خلال أعماله (شفاء، إقامة أموات...) أعلن إرادة الآب نحو البشر، ومن خلال تعاليمه كان الآب يتكلم فيه "لِأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتكَلَّم وأنا أَعلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَه حَياةٌ أَبَدِيَّة فما أَتَكَلَّمُ بِه أَنا أَتَكَلَّمُ بِه كما قالَه لِيَ الآب" (يوحنا 49:12-50). وما أعجب هذه الاعمال وأعظمها قيامته العجيبة. فأعماله تشهد أنه يعمل أعمال أبيه، فأعماله يجب ان تقنع. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " يليق بكم عند سماعكم "أب" و"ابن" ألاَّ تسألوا شيئًا آخر سوى تأكيد العلاقة في الجوهر، ولكن إن كان هذا غير كافٍ لكم لتأكيد الكرامة المشتركة والجوهر المشترك فتعلموا هذا من الأعمال ".
12 الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ بي يَعمَلُ هو أَيضاً الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها أَنا بل يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها لأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب.
تشير عبارة "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم" الى تأكيد إعلان حقيقة جديدة، وهي وعد المسيح لتلاميذه؛ أمَّا عبارة "مَن آمَنَ بي" فتشير الى الإيمان بيسوع كشرط يُمكّن تلاميذه من القيام بأعماله، لأنهم يتحدون به مع الآب والابن ويكونون وسيلة أيصال نعمة الله الى سائر الناس. وهذا الامر يدل على ثقة يسوع فيهم والاعتماد عليهم وتقديرهم ومحبته لهم؛ أمَّا عبارة "يَعمَلُ هو أَيضاً الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها" فتشير الى وعد المسيح لتلاميذه بالشركة معه بصنع المعجزات كشفاء المرضى (اعمال الرسل 5: 15، 13: 11؛ 19: 12) وإقامة الموتى كآية لحضوره معهم وإثباتا لصحة تعاليمهم حيث كانوا يصنعون هذه الإعمال والمعجزات باسم المسيح أي بقوته (اعمال الرسل 3: 6)؛ويذكر سفر أعمال الرسل كيف أنّ الناس "كانوا يَخرُجونَ بِالمَرْضى إِلى الشَّوارِع، فَيَضعونَهم على الأَسِرَّةِ والفُرُش، لِكَي يَقَعَ ولَو ظِلُّ بُطرُسَ عِندَ مُرورِه على أَحَدٍ مِنهُم" (اعمال الرسل 5: 15) إنه يعمل فينا، ولكن ليس بدونَّا. والعمل العظيم هو انشاء جماعة مؤمنه (الكنيسة) لتُرسل الى العالم (يوحنا 17: 17-18). فمن يؤمن بالمسيح يستطيع أن يعمل نفس الأعمال التي عملها الآب بالابن. ان روح الله الذي هو نور وقوة، يواصل حضور يسوع في جماعة التلاميذ والكنيسة، فيساعدهم على اكتشاف التعليم وتوجيهه لكي يتجاوب مع حاجات المؤمنين في الزمان والمكان ويكملوا الخدمة وتستمر الكنيسة في مواجهة اضطهاد العالم. أمَّا عبارة " يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها " فتشير الى عمل التلاميذ والمؤمنين به الذي هو امتداد لعمل يسوع الذي يعطيهم روحه لكي يتابعوا اعماله، بل يعملون اعمالا أعظم بمعنى ان نحمل الانجيل الطاهر من فلسطين الى العالم اجمع. فكانت أكبر معجزة تغيير الأمم الوثنية إلى المسيحية مع تبشير الرسل وبولس الرسول ولا يزال المُبشرون بالإنجيل في العالم كله. ويُعلق القديس أمبروسيوس "المسيح صنع المعجزات خلال الثلاث سنوات لخدمته على الأرض، أمَّا المؤمنون به فيعملون الآيات عبر الأجيال إلى انقضاء الدهر"؛ أمَّا عبارة "ذاهِبٌ إِلى الآب" فتشير الى رحيل يسوع عن طريق الموت الى الآب السماوي. وان صعود يسوع الى الآب هدفه ان "يتولى كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض"(متى 28: 18) وليتشفع في تلاميذه (1 بطرس يوحنا 2: 1) ليزيد ايمانهم وغيرتهم في التبشير وتأثير على غيرهم ويضمن للتلاميذ إرسال الروح القدس الذي بقوته يصنعون أعمالا عظيمة (يوحنا 14: 26). وان حضوره مع الآب سيتيح له ان يمنحهم كلَّ ما يسألونه باسمه (يوحنا 14: 13-14) ويُثبت حياته فيهم "وإِنَّ الَّذي يُثَبِّتُنا وإِيَّاكُم لِلمسيح والَّذي مَسَحَنا هو الله" (2 قورنتس 1: 21)، وبهذا يتمجَّد الآب في انتصارات الابن التي تتم بوساطة صلاة التلاميذ وطاعتهم له (يوحنا 14: 15).
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 14: 1-12)
بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 10: 1-10)، يمكن ان نستنتج انه يتمحور حول تعزية المسيح لتلاميذه مبيِّنا لهم غرض رحيله الى السماء وعن مصيرهم ايضا.
1) غرض رحيل المسيح
عرف التلاميذ ان يسوع يعود الى الآب "ويتركهم" وحدهم وسط عالمٍ معادٍ ممّا يُولد فيهم قلقا، فحاول يسوع جاهدا ان يُشدِّد عزائمهم بألفاظ حنونة كي لا يخافوا "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم"، (يوحنا 14: 1)، وأن يضعوا ثقتهم في الله وفيه ايضا. "إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً". الايمان ثقة مبنية على الله وعلى ابنه يسوع المُتجسِّد الذي يتجلّى بمنح عونه كي يتغلب المؤمن على القلق والاضطراب (يوحنا8: 36-46). فرحيله عنهم يؤدِّي الى اتحاد أوثق بهم وبالآب، كما ان الروح لقدس سيقوم بحمايتهم.
وبيّن يسوع لتلاميذه ان هدف رحيله من هذا العالم هو انتقاله الى المجد السماوي حيث يضمن لجميع المؤمنين إمكانية الثبات للأبد في الاتحاد به وبآبيه، حيث ان يسوع عندما الى الآب يتحد ببشريته بالآب. وعندما يصبح في بيت الآب، يضم الى حياته البشر، ولا سيما تلاميذه كما صرح لتلاميذه " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم (يوحنا 14: 2).
رحيل يسوع ضروري أولا لكي يرسل الروح القدس لتلاميذه، وثانياً لكي يعرف التلاميذ الآب ويعملوا اعمالا عظيمة. ورحيله ضروري أيضا لكي يعود ثانية ليأخذهم ليكونوا معه. "إِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" (يوحنا 14: 3). ويكون ذلك إمَّا عند الموت، كما حدث مع استشهاد إسطفانس اول شهداء المسيحيين (أعمال الرسل 7: 95) او عند القيامة في آخر الازمنة كما جاء في تعليم بولس الرسول " فنَحنُ إِذًا واثِقون، ونَرى منَ الأَفضَلِ أَن نَهجُرَ هذا الجَسَد لِنُقيمَ في جِوارِ الرَّبّ "(2 قورنتس 5: 8).
2) مصير التلاميذ
يكشف يسوع عن مصير التلاميذ من خلال اسئلة الرسولين توما وفيليبس: توما يعترض ان التلاميذ لا يعرفون الى اين يذهب يسوع ولا الطريق. فيجيب يسوع "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة". هو الطريق إلى الحضرة الإلهية والحق المُتجسِّد الذي يهب الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. ويُعلق القديس أمبروسيوس "إنه الطريق والحق والحياة، وكأنه هو البداية والنهاية وما بينهما. به نبدأ الحياة، ونسلك الطريق، ونبلغ إلى النهاية".
أ) يسوع هو الطريق
إن صورة "الطريق" مأخوذة من رمز خروج شعب العهد القديم تلبية لنداء الله بالاعتماد على الايمان به لبلوغ أرض الميعاد. وللطريق دورٌ أساسيٌّ في حياتهم، وأمَّا في العهد الجديد فيفتتح يسوع بشخصه وحياته طريقة جديدة حتى سُمِّيت المسيحية "الطريق" (رسل 9: 2). فيسوع هو الطريق المؤدي الى الآب بقدر ما هو نفسه "الحق والحياة"(يوحنا 10: 9).
المسيح هو طريقٌ بنوره، لأنّه إله وإنسان معاً. كإله يقودنا إلى الآب. إنّه لا يُخبرنا عن الطريق. بل إنّه يُصبح لنا الطريق، لأنه لم يعطنا وصايا نصل بها للآب فحسب، بل قدَّم نفسه طريقاً إلى الآب، ندخل به للآب دون أن نخرج من الابن، لأن الابن في الآب. هكذا باتحادنا به نتحد بالآب. لذلك يقول المسيح " اُثبُتوا فيَّ وأَنا أَثبُتُ فيكم " (يوحنا 15: 4). ويسوع كإنسان ظهر بمثابة موسى الجديد، القائم بدور المرشد والمرافق والقائد كما تُبين ما حدث له على طريق عمواس مع التلميذين "بَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخذَ يَسيرُ معَهما" (لوقا 24: 15). فهو لا ينصحنا ويُرشدنا فحسب. بل إنّه أيضا يسير معنا بروحه خطوة فخطوة، ويؤيّدنا بقوّته ويأخذ بأيدينا ويقودنا؛ كما سار الله مع يشوع بن نون "الرَّب هو السائِرُ أماَمَكَ، وهوِ يَكوَن معَكً ولا يُهمِلكَ ولا يَترُكُكَ، فلا تَخفْ ولا تَفزَعْ" (تثنية الاشتراع 31، 8)، وسار على طريق الصليب لدخول المجد كما قال لتلميذي عماوس "أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟ (لوقا 24: 26). ودعا البشر لاتباعه "النُّورُ باقٍ معَكم وقتاً قليلاً فَامشوا ما دامَ لَكُمُ النُّور"(يوحنا 12: 35). ويُعلق القدّيس رافاييل أرناييز بارون " يا ربّي يسوع، كم أنت طيّب! أنت تصنع كلّ شيء بطريقة رائعة. أنت تدلّني على الطّريق وتريني الهدف. الطّريق هو الصّليب العذب، والتّضحية والتخلّي عن الذات. وما الهدف؟ الهدف هو أنت، ولا أحد سواك. الهدف هو امتلاكك أبديًّا في السماء، مع مريم، ومع الملائكة وجميع القدّيسين"(كتابات روحيّة، 12/04/1938).
إنه الطريق بتعاليمه كما جاء في تصريح بطرس الرسول "يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟"(يوحنا 6: 86)، وهو الطريق بمثاله أيضا كما أعلن بطرس "ترَكَ لَكم مِثالاً لِتقتَفوا آثارَه" (1بطرس 2: 21)، وهو الطريق خاصة بذبيحته “فما أَولى دَمَ المسيحِ، الَّذي قَرَّبَ نَفْسَه إلى اللهِ بِروحٍ أَزَلِيٍّ قُرْبانًا لا عَيبَ فيه، أَن يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعبدَ اللهَ الحَيّ! (عبرانيين 9: 14)، واخير يسوع هو الطريق بروحه كما صرَّح “متى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث"(يوحنا 16: 13).
إنه الطريق الذي فيه تتحقق كل الوعود الإلهية كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِنَّ جميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه ((نَعَم)). لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: ((آمين)) إِكرامًا لِمَجْدِه" (2 قورنتس 1: 20). ويفتح ملكوت السماوات للمؤمنين ولا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلاَّ به، ولا إلى معرفته ما لم يخبره الابن عنه. "لا يستطيع أحد أن يأتي إليّ ما لم يجتذبه الآب" وأيضًا: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع" (12: 32).
وأخير يسوع هو الطريق بذبيحته على الصليب. الفاصل بين الانسان، والله ليس البعد بين السماء والارض بل اثم الانسان وخطاياه. ويسوع هو الطريق المقدس كما يصفه أشعيا "يَكونُ هُناكَ مَسلَكٌ وطَريق يُقالُ لَه الطَّريقُ المُقَدَّس" (أشعيا 35: 8)، لأنه فيه يسير الخاطئ من الأرض الى السماء، ومن حالة الخطيئة الى حالة القداسة ومن العداوة الى المصالحة معه؛ وقد افتتح لنا يسوع هذا الطريق من خلال ذبيحة جسده المقدس لدخول القدس كما جاء في الرسالة الى العبرانيين "لَنا سَبيلاً إِلى القُدْسِ بِدَمِ يسوع، سَبيلاً جَديدةً حَيَّةً فَتَحَها لَنا مِن خِلالِ الحِجاب، أَي جَسَدِه" (عبرانيين 10: 19-20). ويعلق الطوباويّ غيريك ديغني " إذا كنت أيّها الأخ تسير في هذه الطريق، فلا تمل عنها، لئلا تهين الرّب الذي دلّك عليها، وتجعلك تتيه في سبل قلبك. إذا كانت الطريق ضيّقة أمامك فانظر إلى الغاية التي ستوصلك إليها" (العظة الخامسة لزمن المجيء).
ومع المسيح لم تعد الطريق هي الشريعة، بل شخص يسوع المسيح نفسه هو الشريعة كما صرّح يسوع لتلاميذه "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي"(يوحنا 14: 6)، وفيه يتحقق للمسيحيين الفصح والخروج، وفيه ينبغي ان يسيروا في طريق المحبة كما جاء في توصيات بولس الرسول "سِيروا في المَحَبَّةِ سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيِّبةَ الرَّائِحة" (أفسس5: 2) وهذه المسيرة تؤدّي الى الآب "لأَنَّ لَنا بِه جَميعًا سَبيلاً إِلى الآبِ في رُوحٍ واحِد" (أفسس 2: 18). مهما كانت الطريق، يسوع معنا فيها ليقودنا إلى الحياة الحقيقية. وإذا كان يسوع هو الطريق فإنه يطلب يسوع منّا أن نسير وراءه كي يوصلنا إلى غايتنا. وباتحاد حياتنا به نتحد بالله فهو سبيلنا الى الآب؛ وهو طريق آمن وأكيد نحو الحياة الأبدية. فكل إنسان يرغب في الحياة، لكن ليس كل أحدٍ يجد الطريق. ويعلق القدّيس غريغوريوس الناريكيّ، راهب وشاعر أرمنيّ" أرجو ألا يجعلني جرح الخطيئة التي يحرّضني عليها الشيطان أضلُّ الطريق إلى الأبد!" (كتاب الصلوات، الصلاة رقم 18).
ب) يسوع هو الحق
يسوع ليس هو الطريق فحسب، انما هو أيضا الحق. يطلق لفظ حق أو حقيقة على كل فكر وكل كلمة تطابق الواقع. وأيضاً على واقع الشيء ذاته حينما ينكشف بجلاء ووضوح للعقل كما تشير اللفظة اليونانية ἀληθείας (معناها غير خفي). وأمَّا تعريف الحقيقة في العهد القديم فيعني أمانة نحو العهد (رومة 3: 6)، وفي العهد الجديد، فالحقيقة هي المسيح وإنجيله الطاهر" حَقيقةُ البِشارة"(غلاطية 2: 5).
ويحتل مفهوم الحق او الحقيقة في انجيل يوحنا مكانة مرموقة. ليس الحق، بالنسبة إلى يوحنا، هو كيان الله في حد ذاته، بل هو كلمة الآب "إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ"(يوحنا 17: 17)، وهي كلمة ثابتة لا تتغير، وهي الحق الذي أتى يسوع "ينادي به" كما صرّح لليهود "أَنا الَّذي قالَ لكُمُ الحَقَّ الَّذي سَمِعَهُ مِنَ الله" (يوحنا 8: 40)، ويشهد له كما أعلن يسوع امام بيلاطس " أَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوتي" (يوحنا 18: 37).
والشيء الجديد الذي جاءت به المسيحية عن المسيح أنه هو نفسه الحق "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة (يوحنا 14: 6)، على أن هذا اللقب يفصح أيضاً، بطريق غير مباشر، عن شخص المسيح الإلهي، فإذا كان يسوع هو الوحيد بين الناس، الذي يمكنه أن يكون الحق، فلأنه في الوقت نفسه، هو الكلمة، " الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب" (يوحنا 1:18)، من حيث إنه الكلمة الذي صار بشراً، يحمل في ذاته ملء الوحي، ويُخبرنا عن الآب " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه" (يوحنا 1: 18).ويعلق القديس أمبروسيوس "المسيح ليس فقط هو اللَّه، بل بالحقيقة اللَّه الحق، إله حق من إله حق".
يسوع هو الحق، لم يقصد بقوله انه الحق تعليم الناس كل العلوم، إنما ان يُعلمهم ما يوصلهم الى السماء. وكل ما أتى به الأنبياء والرسل من التعليم الحق لم يكن إلاَّ منه كما أعلنه هو نفسه " قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الابنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه (متى 11: 27). وفيه فيه كملت الظلال والرموز الواردة في العهد القديم. فهو المن الحقيقي النازل من السماء (يوحنا 6: 32)، وخيمة الاجتماع (العبرانيين 8: 3).
يسوع هو الحق لأنه كلمة الله، وهو يُعلن لنا كل ما يلزمنا معرفته عن الله وعن أنفسنا كما صرّح يسوع "تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم" (يوحنا 8: 32). والمسيح هو الحق المعلن لنا في قداسته ومحبته. هو أظهر الحق بأقواله وأعماله. فالحق الوحيد الذي لا يتغيَّر هو الله. ومن يكتشف الحق ويعرفه يثبت في الطريق فتكون له حياة. كما صرّح يسوع " أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة" (يوحنا 8: 12). المسيح هو الحق الذي ينبغي أن نؤمن به ونشهد له حتى الموت.
وبكون يسوع هو نفسه الحق فإنه أولا أن ينقل إلينا في ذاته وحي الآب كما جاء في تعليم يوحنا الرسول "أنَّ الكلامَ الَّذي بَلَّغَتنيه بَلَّغتُهم إِيَّاه فقَبِلوه وعَرَفوا حَقّاً أَنِّي مِن لَدُنكَ خَرَجتُ وآمنوا بِأَنكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يوحنا 17: 8)، وهكذا يُشركنا في الحياة الإلهية كما جاء في تعليم يوحنا الرسول " أَنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبدِيَّة وأَنَّ هذهِ الحياةَ هي في ابنِه" (1 يوحنا 5: 11-13 وبكون يسوع الحق فانه ثانيا يحقِّق كلّ وعود الله كما جاء في تعليم بولس الرسول " إِنَّ جميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه ((نَعَم)). لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: ((آمين)) إِكرامًا لِمَجْدِه" (2 قورنتس 1: 20)؛ وأخيرا بكون يسوع الحق المتجسّد فإنه ثالثاً يوجِّهنا ويقودنا إلى الإيمان به " إِن ثَبتُّم في كلامي كُنتُم تلاميذي حَقاً تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم " (يوحنا 8: 31-32). فإن المسيح يقول الحق (يوحنا 8: 45)، وهو " مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ " (يوحنا1: 14). "وأمَّا النعمة والحق، فقد بلغا إلينا على يد يسوع المسيح " (يوحنا 1: 17)، إذ به وفيه قد ظهر الوحي الكامل والنهائي.
إنّ الكثيرين يستطيعون أن يهتفوا "لقد علّمنا الناس الحقّ". ولكن لا يوجد سوى واحد يستطيع أن يقول: "أنا هو الحقّ". فالحق بالمعنى المسيحي هو حق الإنجيل أي الكلمة التي يوحي بها الآب والتي تقوم في يسوع المسيح والتي يُضيئها الروح القدس، "إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ" (يوحنا 17: 17)، ويتعيَّن علينا أن نقبلها بالإيمان، لتغيير حياتنا. هذه الحقيقة الخلاصية تقدمها لنا الكتب المقدسة الموثوق بها، وتسطع لنا في شخص المسيح الذي هو، في آن واحد، وسيط الوحي كله وملؤه. إنه الحق الذي يبدد كل ما هو باطل وما هو خطأ. وإنه الحق الذي يحطم كل خداع؛ ففيه نجد الثقة الحقيقية والحقيقة "إِنَّ جميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه ((نَعَم)). لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: ((آمين)) إِكرامًا لِمَجْدِه "(2 قورنتس 1: 20).
ج) يسوع هو الحياة
يسوع ليس فقط الطريق والحق، انما هو أيضا الحياة. ان المسيح من حيث انه "الكلمة" الأولى، حاصل على الحياة منذ البدء. ومن حيث أنه الكلمة المتجسد، فهو " كَلِمَة الحَياة " (1 يوحنا 1: 1). هو " الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " (يوحنا 14: 6)، "أَنا القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25). وهو يهب أيضا الحياة للجسد يوم القيامة الموتى.
المسيح هو الحياة، " فكَما أَنَّ الآبَ له الحَياةُ في ذاتِه فكذلِكَ أَعْطى الِابنَ أَن تَكونَ له الحَياةُ في ذاتِه" (يوحنا 5: 26)، وهو قادر أن يمنحها لمن يريد، لقد قال: "جئت لتكون لهم حياة"، حياة أفضل وأسمى من الحياة الأرضيّة. وهو يعطيها لمن يثبت فيه " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةَ الأَبَدِيَّة" (يوحنا 5: 24). ويوجد آيات قليلة في الاسفار المقدسة تصف الحياة الأبدية، ولكن هذه الآيات غنية بالوعود واهمها ما وعد يسوع تلاميذه “في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟" (يوحنا 14: 2). وبرغم ان تفاصيل الأبدية مجهولة لنا، فلا حاجة بنا الى الخوف، ويمكننا ان نتطلع الى الحياة الأبدية لان الرب يسوع وعد بها كل من يؤمن. لان المسيح أتى ليعيد لنا هذه الحياة الأبدية بمجدها ونورها وفرحها. ويُعلق القديس مكسيمس أسقف طورينو " قيامة المسيح هي للموتى حياة، وللخطأة غفران، وللقديسين مجد "(العظة 53، 1-2)
المسيح هو الحياة، لأنه هو مصدر الحياة الروحية، إنه يُعلمنا حقيقة تلك الحياة، وهو الذي اشتراها بموته ووهبها لنا بروحه "كما أَنَّ الآبَ الحَيَّ أَرسَلَني وأَنِّي أَحْيا بِالآب فكَذلِكَ الَّذي يأكُلُني سيَحْيا بي" (يوحنا 6: 57). فالسبيل للوصول إلى حياة الله هو الله عينه من خلال ابنه يسوع المسيح.
المسيح هو الحياة، لأنه يمنحنا حياته. هو "ملك الحياة" (اعمال الرسل 3:15). فقد مات لفدائنا وليعطينا حياته، إذ اشترى لنا الحياة بموته ووهبنا إياها بروحه بعد أن فقدناها بالخطيئة. الخطيئة هي الموت والموت هو انفصال عن الله. والمسيح أتى ليتَّحد بنا ويربط حياته الالهية بحياتنا الآن والى الابد كما جاء في الكتب المقدس "لَمَّا كُنَّا واثِقينَ، أَيُّها الإِخوَة، بِأَنَّ لَنا سَبيلاً إِلى القُدْسِ بِدَمِ يسوع، (عبرانيين 10: 19) فنتأهّل للشركة مع الآب فتعود لنا الحياة كما اختبرها بولس الرسول "الحَياةُ عِندي هي المسيح" (فيلبي 21:1). وإذا اتحدت روح المؤمن بروح الله بوساطة المسيح، أصبحت روحه حياة " وإِذا كانَ المسيحُ فيكُم فالجَسَدُ مَيْتٌ بِسَبَبٍ مِنَ الخَطيئَة، ولكِنَّ الرُّوحَ حَياةٌ بسَبَبٍ مِنَ البِرّ" (رومة 8: 10).
يسوع هو الحياة، لأنه يدعونا الى الحياة الأبدية كي يشركنا فيها "فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس "(يوحنا 1: 4). ولكي يربح المرء الحياة الابدية ويتمتع بها، يجب ان يتخذ الطريق الضيق ويزهد في كل أمواله، بل في نفسه ذاتها، ويفقد حياته الحاضرة " لأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَهُ في سبيلي فإِنَّه يَجِدُها. ماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بَدَلاً لِنَفسِه؟ "(متى 16: 25-26).
يسوع هو الحياة، لأنّه يدين الموت كما بُعلم بولس الرسول: "فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟" (1 قورنتس 15: 55)؛ فالموت الذي طالما كان منتصرًا، هًزِم بموت هازمه وهو يسوع المسيح. وكل مؤمن به ينال الحياة "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةَ الأَبَدِيَّة" (يوحنا 5: 24)، ولان كل من يموت عن الخطيئة يحيا منذ الآن لله في المسيح يسوع " أحسَبوا أَنتُم أَنَّكم أَمواتٌ عنِ الخَطيئَة أَحْياءٌ للهِ في يسوعَ المسيح"(رومة 6: 11). وتصبح حياة المؤمن محتجبة مع المسيح في الله (قولسي 3: 3) وذلك بعماده في موت يسوع “فدُفِنَّا مَعَه في مَوتِه بِالمَعمُودِيَّةِ لِنَحْيا نَحنُ أَيضًا حَياةً جَديدة" (رومة 6: 4)، وبقيامته معه الى الحياة " أجعَلوا أَنفُسَكم في خِدمَةِ الله، على أَنَّكم أَحْياءٌ قاموا مِن بَينِ الأَموات"(رومة 6: 13).
يسوع هو الحياة لأنه هو "خبز الحياة" (يوحنا 6: 48) فقد صرّح السيد المسيح " أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم" (يوحنا 6: 51). وهذا كله يتطلب الايمان كما قالَ يسوع " أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَداً." (يوحنا 6: 35). ويقوم الايمان في قبول كلام يسوع والعمل "مَن أَعرَضَ عَنِّي ولَم يَقبَلْ كَلامي فلَه ما يَدينُه: الكَلامُ الَّذي قُلتُه يَدينُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 12: 48). ويسوع قادر على فيض الحياة في كل من يؤمن به.
نستنتج مما سبق ان المسيح هو الطريق الذي نثبت فيه لنصل إلى الحياة. وكل طريق غيره ضلال، وكل حق سواه باطل، وكل حياة عداه موت. بدون الطريق لا مسيرة، وبدون الحق لا معرفة، وبدون الحياة فهناك موت. هو الطريق الذي علينا أن نتبعه، والحق الذي علينا أن نؤمن به، والحياة التي نسعى لنوالها. فهو الطريق الوحيد للحياة الأبدية وهو حياة الله المعطاة للإنسان. وهو الحق الذي به نعرف أبوة الله لنا. ويعلق القدّيس والعلامة بِرنَردُس "إلى الذين يُخطئون ويُضلّون الطريق، صرخ يسوع قائلاً: "أنا هو الطريق". أمّا إلى الذين يشكّون فيه ولا يُؤمنون به، فقد قال: "أنا هو الحقّ". وإلى الذين اختاروا هذه الطريق لكنّهم تعبوا، قال: "أنا هو الحياة". (أطروحة عن درجات التواضع).
واختتم مع مناشدة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني للجميع:" ثقوا بالرّب يسوع المسيح، فهو لن يخيّب رغباتكم ومشاريعكم إنّما يملأها بالمعنى والفرح. هو القائل: "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة"(يوحنا 14: 6). وإن كنتم تبحثون عن كيفيّة حصول ذلك، يجيبكم الراهب الفرنسيسكاني القدّيس بونافَنتورا "اسأل النعمة لا المعرفة، إرادتك العميقة لا فكرك، تأوّه صلاتك لا شغفك للقراءة. اسأل الروح لا المعلّم، الربّ لا الإنسان" (المسار الروحي نحو الربّ، الجزء السابع).
الخلاصة
طلب السيد المسيح من تلاميذه المُضَّطَّربين الايمان بكلامه، وبشخصه، لان الايمان به هو الايمان بالله نفسه. ويشرح لهم يسوع دوافع هذه الايمان. يجب على التلاميذ الا ييأسوا عند رؤية معلمهم يرحل عنهم، فان يسوع يرجع الى البيت الابوي، ويَعدّ مكانا لهم، ثم يرجع ويستصحبهم للوصول الى البيت الابوي. لذلك ينبغي على التلاميذ ان يعرفوا الطريق (يوحنا 14: 4) ويسوع هو الطريق "لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي" (يوحنا 14: 6)؛ وان يتمسكوا بالحق ويسوع هو الحق، وقد اظهر الآب " مَن رآني رأَى الآب" (يوحنا 14: 9)؛ وإذا ما عرف التلاميذ الآب، فانهم يملكون الحياة ويسوع هو الحياة. "أنا هو الطريق والحقّ والحياة" يسوع هو الوسيلة والهدف. فالربّ يسوع هو الطريق الّذي يوصلنا للآب، وهو الحقّ الّذي نتمسّك به فنصل إلى الآب، وهو الحياة الّتي تملؤنا وتفيض فينا.
يُقدّم يسوع أكبر تعزية الى تلاميذه المضطربين وهي ان "يكونوا كل حين مع الرب". لذلك علينا ان لا نتصور ان الموت يأتي لملاقاتنا لدى مغادرتنا من هذا العالم بل المسيح، لذا علينا ان لا نفتكر في نهاية حياتنا هنا على الارض بل هي بداية حياتنا فوق في السماء، وان لا نفكر في خسارتنا هنا بل في ربحنا هناك، ولا في الافتراق عن الأصدقاء في الأرض بل في الاجتماع بهم في السماء، نعم الموت هائل لمن لا يعلم الى اي مكان من عالم الظلام يذهب، لكنه ليس كذلك لمن يتحقق انه يذهب الى بيت ابيه السماوي ليكون مع يسوع أخيه الأكبر.
كما كان التلاميذ في حالة اضطراب وخوف كذلك حالتنا في عالمنا المعاصر. نحن محاطون بمخاطر عديدة مثل خطر وباء الكورونا المستجد وخطر الحرب العالمية الثلاثة وخطر الاسلحة النووية التي تهدِّد البشرية بأسرها، وهناك امراض لا دواء لها ولا شفاء، وهناك الجوع والزلازل والفيضانات والحرائق... وإزاء كل هذه المخاطر والصعوبات يناشدنا يسوع قائلا "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضًا" (يوحنا 14: 1) واعطاهم رؤية شاملة في ظل الحق الإلهي. فحالتنا على الأرض ما هي الا مقدمة لحياة ابدية سعيدة في حضرة الله ونعيمه. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ (يوحنا 14: 2). ويعلق القدّيس خروماتيوس أسقف أقيلا: "يقول يسوع عن نفسه إنّه الطريق، لأنّه يقودنا إلى الآب؛ وأنه الحقّ، لأنّه يدين الكذب؛ وأنه الحياة لأنّه يدين الموت..."فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟" (1قورنتس 15: 55) (العظة 17، الثّانية للعشيّة الفصحيّة).
دعاء
أيها الآب السماوي، إنّ المسيح هو كلمتك المتجسِّدة، والطريق الّتي تقودنا إليك، والحقّ الّذي يحرّرنا، والحياة الّتي تملأنا بالفرح. اجعلنا ان نسير على طريقه الطّريق الصّليب والتّضحية والتخلّي عن الذات، وان نرى فيه هدفنا الذي هو الحق والحياة، فنمتلك الحياة الأبديّة معك أيها الآب السماوي ومع مريم، ومع الملائكة وجميع القدّيسين.
السيد المسيح هو الطريق والحق والحياة .. امين.
خادم الرب
موقع مليون مسيحي
أترك تعليقك الجميل هنا